السبت، 15 نوفمبر 2014

البحث العلمي و المعماري العربي

  1.  بناء المعمارى العربى : التعليم والبحث العلمى
4-1  يتأثر مستقبل العمارة فى المشرق العربى وعلى المدى البعيد بتكوين المعمارى العربى الذى يتبلور فى المدارس والكليات أولاً ثم بالممارسة بعد ذلك أو بالبحث العلمى والدراسات الاكاديمية ويتأثر بناء المعمارى العربى من داخل المعاهد العلمية بالمناهج العلمية والاتجاهات المعمارية الاكاديمية
التى تختلف باختلاف الخلفية العلمية للأساتذة والموجهين ، كما يتأثر بناء المعمارى  من خارج المعاهد العلمية بما يشاهده على الطبيعة من أعمال معمارية هى فى الواقع نتيجة تفاعل فكر المصمم وثقافة صاحب العمل وهو تفاعل غير متوازن فى العديد من الدول النامية ومنها دول المشرق العربى ، هذا بالإضافة إلى ما يقرأه المعمارى أثناء مرحلة الدراسة وما بعدها من مؤلفات أو دوريات معمارية ومعظمها يعبر عن فكر غريب عن المجتمعات المحلية ثقافياً وبيئياً ، اللهم إلا النظر القليل من المؤلفات العربية والتى لا يمكن تقويمها إلا إنها مجرد ترجمات هزيلة للفكر الغربى ولا يستثنى من ذلك إلا القليل جداً من الكتب والمجلات المعمارية .
4-2  لقد بدأ بناء المعمارى فى المشرق العربى كجزء من بناء المهندس وإستمر هذا المفهوم فى معظم الجامعات العربية كما هو الحال فى جامعات القاهرة وعين شمس والأسكندرية وبغداد ودمشق وحلب والأردن والخرطوم وبيروت ، وإن كان بعضها قد بدأ فى إنشاء كليات معمارية تضم أقسام العمارة وتصميم البيئة والتخطيط العمرانى كما هو فى جامعة البترول بالدمام والملك فيصل فى الدمام والملك عبد العزيز بجدة ، فلا يزال مفهوم البناء العلمى للمعمارى يدور فى فلك العلوم الهندسية حتى أن المعمارى العربى يحمل مسمى المهندس المعمارى ، وهنا يتعرض بناء المعمارى العربى إلى مجموعة من المواد الهندسية والرياضية والكيماوية والميكانيكية التى تفقده قدراً من الثقافة المعمارية بجوانبها الوظيفية والتشكيلية والتراثية .. كما يتعرض بناء المعمارى العربى أيضاً إلى مجموعة متابينة من النظريات المعمارية والتخطيطية المشتقة من الفكر الغربى ورواده فى عالم العمارة والتخطيط العمرانى ، الأمر الذى يساعد على الإنفصام الفكرى بين المعمارى العربى فى مرحلة بنائه وبين الواقع البيئى والإجتماعى والإقتصادى الذى يعيش فيه ، وتصبح النظرية لديه خيالاً لايرتكز على قاعدة من الواقعية .
4-3  كما يتعرض بناء المعمارى العربى إلى مجموعة من النظم الإدارية التى تراعى بعضها فى بعض الدول العربية ، إستعداد الطالب وقدراته الفنية التى تصلح للتعليم المعمارى بينما لا تراعى هذه النظم فى البعض الأخر هذا الإستعداد أو القدرات ويصبح التعليم المعمارى مجرداً من هذه الشروط الأساسية فى التكوين الشخصى لطالب العمارة ، من هنا تصبح العملية التعليمية المعمارية قائمة على التلقين أكثر منها على الإبتكار ، وتتخرج بذلك أجيال ضعيفة من المعماريين لا يلبثوا أن يدخلوا الحياة العملية فاقدين لأصول المهنة فتخرج عماراتهم فى الطبيعة بسرعة كبيرة لا تعبر إلا عن أنماط مكررة من الفكر المعمارى الممسوخ لذى يأخذ بشرط تراخيص البناء قبل أن يأخذ بالقيمة المعمارية التى تناسب البيئة المحلية ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وهنا قد يترك الأمر كله لصاحب الأمر المسئول عن منح تراخيص البناء فى اجهزة البلديات المحلية .
4-4  وإذا كان البناء المعمارى يتأثر فى أوله بالعملية التعليمية فهو ينتهى إلى ممارسة المهنة والتنظيمات القائمة عليها فتنظيم المهنة المعمارية لا يزال يدور فى إطار المهنة الهندسية كالرى والطرق والمرافق والميكانيكا والكهرباء وهكذا تطبع الشخصية المميزة للمعمارى ومن ثم لأعماله المعمارية ، إن تنظيم المهنة لا زال يعطى المهندس النقابى حق ممارسته الهندسة المعمارية فتظهر بذلك أنماط غريبة للعمارة العربية لا تتدخل التنظيمات المهنية فى تصميمها أو تخطيطها أو تنفيذها ، اللهم إلا فى اضيق الحدود كما فى مدن جدة أو تونس أو مراكش ، وهنا يظهر الأثر القوى لتنظيم المهنة على بناء المعمارى بعد فترة التحضير فى الدراسات الجامعية إذ يقتصر تنظيم المهنة المعمارية على العضوية وسداد الإلتزامات المالية الخاصة بالتأمين مع القليل جداً من النشاط العلمى فى صورة محاضرات عامة وهنا يمكن أن يقال أن التنظيم المهنى المعمارى لا يزال منعدماً فى دول المشرق العربى إذ لايزال جزءاً ضعيفاً من التنظيم المهنى الهندسى العام وهنا يكمن الضعف الشديد فى الكيان المهنى للمعماريين فى دول المشرق العربى موضوع هذه الدراسة ، الأمر الذى ينعكس بالتبعية على ضعف الإنتاج المعمارى بها ، ويترك الفرصة إلى المعمارى الغربى بقدراته الفنية والتنظيمية ومساندته الرسمية والسياسية لأن يدخل سوق الإنتاج المعمارى فى هذه الدول تاركاً القدر اليسير لأبنائها من المعماريين الوطنيين .
4-5 فالتنظيمات المهنية المعمارية أما أن تأخذ شكل شعب متخصصة فى إطار نقابات المهندسين كما فى مصر والعراق وسوريا والأردن تختص بالجوانب التنظيمية للمهنة بينما هناك بعض الجمعيات الهندسية العلمية تعمل منفصلة عن التشكيلات النقابية وتحاول أن تختص  بالجوانب العلمية وإن كان معظمها قليل الفاعلية علمياً أو ثقافياً أو مهنياً.. كما فى جمعية المهندسين المعماريين فى مصر المسجلة نظامياً فى وزارة الشئون الإجتماعية كغيرها من الجمعيات العلمية أو الخيرية..هذا فى الوقت الذى لا توجد فيه مثل هذه الجمعيات فى المملكة العربية السعودية ، كما يمارس النشاط العلمى المعمارى فى دول المشرق العربى الاّخر فى إطار النشاط العام للجمعيات الهندسية كما فى الكويت ودولة الإمارات العربية والسودان ولبنان ويبقى النشاط المهنى المعمارى فى فلسطين مرتبطاً بالنشاط المماثل له فى الأردن حتى الأن ودون فعالية تذكر ، وحتى الأن لم تظهر الشعب أو الجمعيات المعمارية أثر يذكر فى تنظيم المهنة خاصة فيما يرتبط بالبناء الفكرى للمعمارى العربى بعد حصوله على المؤهل الجامعى ، فلا نشرات معمارية دورية أو مجلات معمارية أو كتيبات تساعد على الإرتقاء بالمستوى الفنى للمهنة كما هو فى معظم الدول المتقدمة فى العالم .
4-6 من متابعة التطورات التى طرأت على بناء المعمارى العربى فى النصف قرن الماضى لا يمكن التبصر بتعديلات واضحة فى العوامل المؤثرة على ذلك سواء من الناحية التعليمية أو الممارسة المهنية وإن كانت هذه الصورة تختلف من دولة لأخرى من دول المشرق العربى ، فإذا كان التنظيم المهنى مؤثراً فى الكويت ولبنان ودولة الإمارات فهو اقل تأثيراً فى مصر والسودان وسوريا واليمن ، وأكثر أثراً فى المملكة العربية السعودية حيث يتم تنظيم المهنة من خلال المؤسسات الحكومية كما فى وزارة التجارة أو الشئون البلدية والقروية وتتجه معظم التنظيمات المهنية إلى إعطاء المهندس الوطنى فرصاً أكثر فى الممارسة والإنتاج أكثر منها للمكاتب الإستشارية الأجنبية التى إتسع نشاطها فى دول المنطقة سواء بالتقدم المباشر عن للممارسة عن طريق الوكلاء المحليين أو بالتقدم الغير مباشر عن طريق المعونات المالية والفنية الخارجية ، ومع ذلك فالمعمارى لا يزال يعامل معاملة المهندسين المحليين دون تمييز أو إختلاف مهنى يعكس ماهو فى معظم الدول المتقدمة فى العالم .
4-7 ومع ضعف التنظيمات المهنية للمعماريين العرب ومع الجمود الفكرى فى العمليات التعليمية السائدة فى معظم دول المنطقة خاصة ماتعتبر التعليم المعمارى جزءاً لا يتجزأ من التعليم الهندسى مع ذلك يضعف الإنتاج العلمى بحثاً وتطبيقاً تأليفاً أو نشراً ، فالبحوث المعمارية لاتزال تدور فى قوالب أكاديمية بعيدة عن واقع المجتمع ومتطلباته الأتية والمستقبلية ولا تؤثر تأثيراً مباشراً على بناء المعمارى أو على إنتاجه خاصة وإن معظم هذه البحوث لا يرى النور من خلال النشر والتوزيع  فليس فى الشرق العربى بما فيه من أعداد كبيرة من المعماريين وتظهر فيه أعداد كبيرة من المشروعات التخطيطة والمعمارية ليس فيه دار للتأليف والنشر المعمارى حتى أن معظم ما ينشر عن العمارة المعاصرة فى المنطقة يظهر على صفحات المجلات الأجنبية لأن مصمميها  ومخططيها هو من المعماريين الأجانب والإهتمام بنشر أعمالهم جزء من الأهتمام بالسوق الإستشارية المعمارية فى المنطقة وأكثر من ذلك فإن سوق البناء فى المشرق العربى لاتزال تعتمد على قدر كبير من إنتاج المصانع الغربية الأمر الذى ينقل معها قيماً معمارية وتشكيلية لا تلبث أن تؤثر على الملامح المعمارية المحلية ، من هنا فإن مستقبل العمارة العربية فى دول المشرق العربى سوف يتأثر لفترة طويلة من الزمن بما ينتج فى الخارج من مواد وتجهيزات وعناصر معمارية طالما لا تفى صناعة البناء المحلية بكل متطلبات الأسواق المحلية فى المنطقة الأمر الى يتطلب تكاملاً فى صناعة البناء على المستوى العربى لهذه المنطقة وهذا رهن بالعلاقات السياسية بينها .
4-8 وهكذا يرتبط مستقبل العمارة العربية فى المشرق العربى ببناء المعمارى العربى علمياً ومهنياً وتنظيمياً ليكون قادراً على الإضطلاع بكامل مسئولية البناء المعمارى فى دول المنطقة بعد أن تستغنى عن المعمارى الأجنببى الذى ظل فترة طويلة من الزمن أكثر من نصف قرن يقوم بهذه المهمة دون منافسة من المعمارى المحلى ، وذلك مع الإرتقاء بالوعى الفنى والتنظيمى والمهنى للمعمارى المحلى من ناحية والعناية بالبحوث العلمية والمعمارية والإرتقاء بمستوى الإنتاج لصناعة البناء لتكون قادرة على تغطية السوق المحلى للبناء بكامل متطلباته بحيث نترك اّثارها على الملامح المعمارية المحلية  وهكذا ترتبط الجوانب العلمية والمهنية والإنتاجية والسياسية فى عمليات بناء المعمارى العربى وتحديد مستقبل العمارة فى المنطقة .

منقول 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق