السبت، 15 نوفمبر 2014


  1. 2-1 العمارة العربية المعاصرة فى المشرق العربى تعتبر حصيلة التفاعلات الحضارية التى تمت فى المنطقة على مدى تاريخها الحضارى الطويل ... ويظهر هذا التفاعل فى التقسيم المميز لمعظم التجمعات السكنية فى المنطقة.. حيث تنفصل المدينة القديمة بأسوارها وما بقى من مبانيها التاريخية عن المراحل المعمارية المتتايعة خارج الأسوار وإذا كان هذا التقسيم العام واضحاً فى معظم المدن إلا أنه يختلف فى تفاصيله المعمارية من مدينة إلى أخرى تبعاً لموقعها الجغرافى ومراحل تاريخها السياسى والتكوين الحضارى لمجتمعاتها .
    2-2 ومن ناحية أخرى يمكن تقسيم التفاعلات الحضارية فى عمارة الشرق العربى إلى مراحل تاريخية متميزة المرحلة الأولى منها قبل التاريخ وهى مرحلة تهم الاّثريين والمؤرخين أكثر مما تهم المعماريين نظراً للبعد الزمنى الكبير لهذه المرحلة ، ثم المرحلة المتميزة الثانية وهى المرحلة التاريخية قبل الميلاد أو بعده وهى تتكون من مراحل متتالية تتابعت على فترات زمنية طويلة إرتبطت كل مرحلة فى جذورها بالمراحل السابقة وأمتدت اّثارها إلى المراحل التالية وذلك فى تفاعلات حضارية طويلة الزمن عميقة التأثير محدودة المكان ، وهنا تظهر التفاعلات المعمارية المحلية أكثر وضوحاً من التفاعلات الخارجية .
    2-3 وتختلف هذه التفاعلات من منطقة جغرافية إلى أخرى تبعاً لتعرضها للتقلبات التاريخية فعندما كانت مصر تتأثر بالحضارة الفرعونية ثم اليونانية والرومانية حتى ظهرت الحضارة الإسلامية تأثرت المناطق المحيطة بها فى السودان جنوباً بالحضارة الفرعونية وشمالاً فى الشام ( فلسطين وسوريا والأردن ولبنان ) ببعض المؤثرات الحضارة الفرعونية ثم بنفس المؤثرات الخارجية للحضارة اليونانية والرومانية حتى ظهور الحضارة الإسلامية وعلى الجانب الشرقى فى أرض ما بين النهرين ظهرت الحضارة الأشورية منفصلة عنها ومتزامنة مع الحضارة الفرعونية ثم تبعتها حضارات أخرى منفصلة ومتزامنة مع الحضارة الفرعونية التى قل تأثيرها شرقاً.. حتى ظهور الحضارة الإسلامية وفى الجزيرة العربية عاشت المنطقة مراحل تاريخية متتالية محدودة الاّثار المعمارية بعيدة عن مؤثرات الحضارات المتزامنة فى مصر والشام أو أرض ما بين النهرين إلى أن ظهرت الحضارة الإسلامية التى تمثل المرحلة المتميزة الثالثة .
    2-4 يتضح من التتابع التاريخى أن التفاعلات الحضارية فى عمارة الشرق العربى أخذت الصيغة المحلية إلى أن ظهرت الحضارة الإسلامية كمؤثر عام شمل كل مجتمعات المشرق العربى وبعدها بدأ الإرتباط الحضارى بينها سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وعمرانياً..بدأت تظهر اّثار التفاعلات الحضارية الإسلامية على عمارة المنطقة بدأ بعمارة المساجد ثم بالعمارة الرسمية حتى العمارة السكنية والشعبية فإنتقلت الملامح المعمارية للدول الإسلامية المتتالية من مراكز الحكم أو الولاية إلى سائر إنحاء الدولة مع إنتقال الإمارة والولاة التابعين لها..وهنا تدخل منطقة المشرق العربى فى حدود الدولة الإسلامية بجناحيها فى الشرق والغرب ، وهكذا تظهر التفاعلات الحضارية فى عمارة المشرق العربى واضحة المعالم بين دول المنطقة فى هذه الفترة التاريخية حتى ظهور الدولة العثمانية وما يتبعها من غزوات وإستعمار سياسى أو إقتصادى أو ثقافى وهو ما يحتل المرحلة المتميزة الرابعة والتى لا تزال اّثارها الجانبية مستمرة حتى الأن .
    2-5 وإذا كانت التفاعلات الحضارية فى عمارة المشرق العربى فى المراحل الثلاثة الأولى قد إنحصرت داخل المدن القديمة إلا أن اّثار التفاعلات الحضارية فى المرحلة الرابعة ظهرت اّثارها على عمارة المدن خارج الأسوار ثم إنعكست بعد ذلك على العمارة داخل الأسوار وإزدادات اّثار هذه التفاعلات فى هذه المرحلة مع زيادة السرعة فى وسائل الإتصال سواء على المستوى المحلى للمنطقة أو المستوى الدولى مع العالم الخارجى ، ومع ضعف الإستمرار الحضارى الإسلامى فى هذه المرحلة بدأت المنطقة تتعرض لغزوات حضارية وثقافية أثر الغزوات العسكرية والسياسية إنعكست اّثارها على مختلف جوانب الحياة الإجتماعية والثقافية وفى مقدمتها العمارة حيث إنتقلت إلى المنطقة قادمة من الغرب بأساليب جديدة فى البناء وأنماط جديدة من التصميمات وعناصر جديدة من المفردات المعمارية تجمعت فى القوالب المعمارية التى تميزت بها كل فنرة من هذه المرحلة وصحب ذلك دخول الفكر الغربى إلى العملية التعليمية والمهنية ليس فقط فى التصميم المعمارى بواسطة المعماريين الأجانب ولكن دخل أيضاً فى تكوين المعمارى العربى نفسه سواء فى المدارس المعمارية المحلية أو بالإنتماء إلى المدارس المعمارية الأجنبية فى فرنسا وانجلترا وإيطاليا... وانتقل بذلك الفكر المعمارى الغربى إلى المنطقة ليشكل عمارة المدينة العربية المعاصرة خارج أسوار المدن القديمة وكانت أقرب المصادر المعمارية إلى المنطقة فى فرنسا وإيطاليا واليونان.. حتى انتقلت منها تعابير المهنة وألفاظها .
    2-6 وإذا كان هناك وحدة فى التعبير المعمارى فى العصور الإسلامية ربطت بين عمارة الأقطار الإسلامية المختلفة فى المشرق العربى وإن أختلفت فى تفاصيلها المعمارية التى تأثرت بطرق التشييد ومواد البناء التى إستعملت على مر العصور السابقة فإن وحدة التعبير المعمارى فى المرحلة التاريخية الرابعة التى ضعف فيها الإستمرار الحضارى الإسلامى جاءت نتيجة لوحدة المصادر الغربية لوسائل البناء والتشييد مع وحدة المتطلبات الإجتماعية الجديدة التى صاحبت الغزوات الحضارية على المنطقة وكادت تقضى على المقومات الحضارية الإسلامية وإذا كانت وحدة  التعبير المعمارى فى العصور الإسلامية المتتابعة قد ظهرت فى المبانى الدينية من المساجد والمدارس فقد ظهرت أيضاً فى المبانى العامة والرسمية كما ظهرت فى العمارة السكنية التى إرتبطت بنسيج عمرانى يعبر عن العلاقات الإنسانية المترابطة للمجتمع  فإن وحدة التعبير المعمارى فى العصور اللاحقة والتى ضعف فيها الإستمرار الحضارى الإسلامى ظهر أكثر ما ظهرت على العمارة الرسمية للمبانى العامة كما ظهرت فى العمارة السكنية التى إرتبطت بنسيج عمرانى جديد يعبر عن العلاقات الإنسانية المتحللة للمجتمع بل وساعدت على تفكك هذه العلاقات بالإضافة إلى تدمير وسائل النقل والإتصال الحديث لما تبقى من هذه العلاقات الإجتماعية وبذلك فقدت العمارة العربية أصولها المتوارثة كما فقدت المجتمعات العربية أصالتها الإجتماعية والثقافية .
    2-7 والعمارة فى كل المراحل التاريخية التى مرت بها المنطقة هى من صنع الإنسان سواء المكلف من قبل الوالى أو الحاكم ،بالنسبة للمبانى الرسمية والعامة أو المكلف من قبل الفرد صاحب العقار بالنسبة للعمارة الشعبية ، وفى كلا الحالتين يتحرك الإنسان المكلف بالبناء من منطلق رغبات الوالى أو الحاكم أو الفرد صاحب العقار ...وكل يعبر عن متطلباته وتطلعاته من واقع تكوينه الثقافى والحضارى وتبدأ عمليات البناء من صنع الإنسان سواء بيده التى تعبر عن إحساسه بالمادة أو مقدرته التى تظهر فى إتقانه وإخلاصه للعمل وهذا ما تميزت به عصور ما قبل الثورة الصناعية أو سواء بالاّلة التى إبتكرها غيره لمساعدته على أداء عمله فى البناء توفيراً للوقت والجهد والذى أصبح ظاهرة إجتماعية إقتضتها متطلبات السرعة فى الحركة والإنتقال والإتصال ، ومن هنا فإن التفاعل الحضارى بين المعماري والصانع والمادة فى ضوء المستوى الثقافى والحضارى لصاحب العقار مشكلاً فى الصيغة النهائية للعمارة بكلياتها وجزئياتها بعموميتها وتفاصيلها ، فالعمارة إذن هى نتاج مشترك للمعمارى والصانع وصاحب الأرض . 
    التفاعلات الحضارية فى عمارة الشرق العربى :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق