تعالو نفهم المئذنة
المئذنة في اللغة العربية هي مكان الأذان والإعلام عنه، أو مكان تأدية الآذان والمناداة إلى الصلاة، وفي الماضي كان كثير من المآذن مزودا بالقناديل المضيئة، ما جعلها منارات تهدي المسافرين في ظلمة الليل، لذلك فإن الباحثين العرب يطلقون على المآذن «المنارات»، ومن الأهمية بمكان أن نشير في هذا الصدد إلى أن المئذنة كانت تستخدم في بعض الأحيان، في إعلان بيانات الدولة وقراراتها التي يعلنها الحاكم أو خليفة المسلمين. ومع مرور الزمن باتت المئذنة تشكل قطاعاً قائماً بذاته في فن العمارة الإسلامية، فأولاها المعماريون عناية كبيرة وأبدعوا في تصميمها وتنفيذها وارتفاعاتها، حتى إنها وصلت في بعض الأحيان إلى عشرات من الأمتار، وكذلك أبدعوا في الشكل الجمالي وزخارف البناء والنقوش الإسلامية البديعة، وأخذت المآذن أشكالاً شتى ما بين مدورة ومضلعة ومربعة، وتتناسب قاعدة المئذنة طرداً مع ارتفاعها، وبداخلها يوجد سلم حلزوني يصعد من خلاله المؤذن إلى شرفة المئذنة ويقف وينادي للصلاة. في مواعيدها .
* في أي مدينة ظهرت المآذن للمرة الأولى، وكيف كان شكلها؟ ـ ظهرت المآذن للمرة الأولى في مدينة دمشق(الشام)، العاصمة السورية حاليا، حيث أُذّن للصلاة من أبراج المعبد القديم الذي قام على أنقاضه فيما بعد «المسجد الأموي» الشهير في دمشق، وكانت هذه الأبراج هي الأصل الذي بنيت على منواله المآذن الأولى في العمارة الإسلامية، لاسيما في مصر والشام وبلاد المغرب. وكانت المآذن في بداية العصر الإسلامي بسيطة في طريقة بنائها، فكانت مربعة القطاع حتى الشرفة الأولى ثم تستمر على هذا الشكل، وأحيانا على شكل ثماني الأضلاع، ويلي ذلك شكل مثمن أو دائري وتنتهي في قمتها بقبة صغيرة، أما في العصر الذهبي في الإسلام الذي شهد تطورات في مختلف المجالات فكانت المآذن تقام على قاعدة مربعة ترتفع قليلاً أعلى سقف المسجد، وبعد ذلك تتحول إلى شكل ثمانيّ الأضلاع إلى الشرفة الأولى، وكان يُزين كل ضلع من هذه الأضلاع الثمانية بقبلة صغيرة مزودة بأعمدة لها نهاية مثلثة الشكل، وذات شرفة واحدة.
فقرة هامة و يجب العناية بها :-
خلاف تاريخي* يقال إن هناك خلافا حول تاريخ أول مئذنة..فكيف حدث ذلك؟ ـ هذا صحيح.. فهناك خلاف بين المؤرخين والأثريين العرب والمسلمين حول تاريخ أول مئذنة، هناك رأي يؤكد بأن أول مئذنة ظهرت في عصر الخليفة الرابع عثمان بن عفان، وهناك من يقول إن هذه المئذنة الأولى أنشئت في العصر الأموي، في عصر زياد بن أبيه عامل معاوية بن أبي سفيان، بينما يذكر المؤرخ الكبير المقريزي أن أول مئذنة في الإسلام هي صوامع جامع عمرو بن العاص الأربع بالقاهرة، التي بناها «مسلمة بن مخلد» والي مصر في زمن حكم الأمويين.
هل معنى ذلك أنه لم تكن هناك مآذن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
لا لم تكن هناك مآذن على عهد الرسول، ولم يكن هناك اهتمام بالمئذنة عند إقامة المساجد آنذاك، فقد كان بلال بن رباح، رضي الله عنه، يقف على سطح المسجد ويؤذن، وذلك هو المعروف والمشهور عنه، فلم يكن البناء المعماري للمئذنة قد عرف بعد، لكنه عرف بعد ذلك وأصبحت المئذنة تشكل ركنا أساسيا في عمارة المسجد لا يكتمل بناء أي مسجد دونه.
هناك من يقول إن المسلات الفرعونية قد تماثل فكرة المئذنة، فهل ربما امتدت فكرة المئذنة من ذلك العصر؟
لا شك في أن الفراعنة هم ملوك الفنون المعمارية، ومنذ القدم تعتبر المسلة فكرة شموخ البناء نحو الارتفاع لأعلى، وربما تشبه المئذنة المسلة من الوجهة النفسية البنائية من حيث مسألة الارتفاع في البناء بما يشبه في البناء القلم الرصاص، لكن الحقيقة الواضحة أن المئذنة أصبحت تشكل معمارا إسلاميا فريدا قائما بذاته ويتمتع بنوع من الخصوصية الحضارية والمعمارية الإسلامية، بحيث إن أي دارس للعمارة الإسلامية لا يمكنه أن يتجاهل المآذن ومكانتها وأشكالها المتنوعة والتي تبرز إلى أي حد ازدهرت هذه الحضارة العريقة.
ما أوجه الاختلاف بين المآذن من الناحية المعمارية؟
تمثل «مئذنة الجيوشي» بالمقطم في مصر، نموذجا مهما لشرح تطور المآذن، وهي تتكون من قاعدة مربعة يعلوها مثمن ينتهي بمبخرة، وهي محتفظة إلى الآن بكامل زخارفها القديمة حيث كانت تتسم مآذن ذلك العصر بهذا الشكل، ومن هنا تطور شكل المئذنة، ثم تطور فن المآذن مع عصر المماليك حيث أصبح الطابق العلوي من المئذنة مستديرا، وتطور ذلك إلى قاعدة مربعة يليها جزء مثمن، ثم جزء مستدير ذو «جوسق» أقيم على أعمدة تسمى «قلل»، مثل مئذنة قبة مسجد «سلار وسنجر الجاولي» بالقاهرة، ومع الوقت اتجهت قاعدة المئذنة إلى الانخفاض قليلاً مثل قاعدة جامع «المارداني» وجامع «برقوق»، وارتفاع الجزء الأوسط الثماني كمئذنة مدرسة منصور قلاوون بالنحاسين في منطقة القاهرة القديمة.
وفي نهاية القرن الثامن الهجري ظهرت مآذن في مصر ذات رؤوس مزدوجة بصلية الشكل، مثل مئذنة (قايتباي الرماح) ومئذنة مسجد الغوري ذات الأربعة رؤوس في أعلى القمة.
وتطور فن المآذن في العصر العثماني حيث زادت في إسطنبول وفي شتى البلاد الإسلامية، طولاً وارتفاعاً وقلت مساحتها وضخامتها بعض الشيء، وتعددت أضلاعها واتسمت بانتهائها بقمة مخروطية مدببة تشبه بشكل كبير القلم الرصاص، واستمرت المئذنة بهذا الشكل حتى عهد أسرة «محمد علي» ومثالها في مصر جامع محمد علي بالقلعة، حيث تظهر سمات هذا العصر بالغة وواضحة للغاية.
تطور المآذن و هو تطور تاريخي
كيف تطورت المآذن الإسلامية من عصر إسلامي إلى آخر؟
إن التكوين المعماري للمئذنة يختلف كما سبق وأوضحنا من عصر إلى آخر، إلا أنه حدث أيضاً تطور على بناء المآذن في العصر الأموي، وتلخص التكوين المعماري للمئذنة الأموية في جسم مربع يرتفع عن بناء المسجد، ولقد انتقل هذا الطراز عبر البلاد العربية من المغرب العربي إلى بلاد الأندلس، ويمثل هذا الطراز مسجد «القيروان» في تونس. ولم تقف العمارة الإسلامية في بلاد المشرق عند الشكل المربع للمئذنة إلا أن الشكل تطور بدرجة كبيرة.
حيث حدث اختلاف في تصميم المآذن؛ فالمئذنة الحلزونية مثلاً ظهرت في مدينة «سامراء» بالعراق، ومئذنة جامع أحمد بن طولون في القاهرة أطلق عليها اسم المئذنة الملوية، كما ظهرت المآذن ذات المسقط الدائري والمنجم والمصلفة أو المخروطية أو الأسطوانية، وفي الأناضول بتركيا كان نموذج المئذنة ذلك الذي يضيق لأعلى.
ما هي مكونات المئذنة..وأين تقع الشرفة فيها وما هي وظيفتها؟!
يتم الدخول إلى المئذنة من مدخل يكون داخل الصحن ثم درج الصعود، وهو عادة يكون حلزونياً داخلياً يدور حول محور المئذنة ويصل إلى الشرفات المرتفعة التي تحيط ببدن المئذنة، ولموقع الشرفة ودورانها وظيفة مهمة حيث يقف المؤذن عليها ليرفع الأذان، ويجب أن تحيط الشرفة بالمئذنة ليدور المؤذن معلناً نداء الحق إلى كل الجهات الأربع.
وجزء آخر يمثل ركناً ركيناً في المئذنة وهو «الجوسق»، وتعلوه قبة المئذنة التي تنتهي بهلال تتجه فتحته نحو القبلة، ومن الطريف أن مئذنة جامع أحمد بن طولون في مصر كانت مزودة بشكل خوذة على شكل سفن النيل تدور مع الشمس أو الهواء وتضاء ليلة النصف من شعبان.
ومن هنا نرى أن المعماري المسلم حقق فكرة الاتجاه لأعلى بطريقة درامية في ابتكاره للمئذنة، ومن الجدير بالذكر أنه في جامع عمرو بن العاص بالفسطاط وهو أول مسجد أسس في مصر بعد فتحها كان الجرس في البداية هو أداة إعلان الأذان، ثم بدأ الأذان يرتفع بصورته المعروفة الآن، حيث يقوم المؤذن بالإعلان عن قيام الصلاة والمناداة لها.
مواد بناء المآذن
هل كانت هناك مواد بناء معينة تستخدم في بناء وعمارة المئذنة؟
مادة البناء في المآذن تختلف من عصر لعصر ومن مكان إلى آخر، ففي مصر والمغرب العربي والشام تم بناؤها من الحجر نظرا لتوافر ذلك في البيئة المحلية، وفي العراق كان يستخدم الطابوق والطين في بناء المآذن، كما كان يستخدم الخشب في صناعتها وتشييدها.
ما أطول مئذنة في العالم، وما أكثر مسجد توجد به مآذن في الدول الإسلامية؟
أطول مئذنة في العصر الحالي هي مئذنة مسجد الحسن الثاني بالمغرب ثم مئذنة جامع الفتح برمسيس في القاهرة وفي الهند مئذنة «قطر منار»، أما أكثر مسجد به مآذن في العالم فهو المسجد النبوي الشريف ويصل عددها إلى عشر مآذن، يليه المسجد الحرام المبارك حيث يوجد تسع مآذن، ثم المسجد الأزرق في اسطنبول بتركيا وتصل مآذنه إلى ست.
كانت «المئذنة» إحدى الحلقات المهمة التي تجلت من خلالها العمارة الإسلامية، والتي أظهر فيها المعماري المسلم فنه وإبداعاته. وحول فنون عمارة المآذن وأهميتها وتاريخها ومكانتها في العمارة الإسلامية يتحدث
د. مجدي علوان، الأستاذ المساعد في قسم الآثار بكلية الآثار في جامعة القاهرة .
العقود
يشرح د. علوان تاريخ وطبيعة نشوء فنون عمارة العقود:» فضل كل بلد، أنواعاً مختلفة من العقود عن البلد الآخر وهي تعرف ب«الأرشات» أو «ءْكومَّ»، وهي أكبر تعبير عن فن العمارة الإسلامية، حيث كانت المساجد تبنى قديما على شكل صحن مكشوف وحوله إيوانات مسقوفة أهمها إيوان القبلة أو بيت الصلاة، وكان لهذه العقود دور مهم في تجديد طراز العمارة الإسلامية، ولهذه العقود أشكال مختلفة من بلد إلى آخر ومن عصر إلى آخر، فمنها العقود نصف الدائري، ومنها الدائري المرتد الذي يشبه حدوة الفرس وغير ها الكثير.
القباب والمآذن
يوضح د. علوان ارتباط القباب وفنونها بالمآذن:» أخذ فن بناء القباب عن الساسانيين ،والأقباط والبيزنطيين، وقد اقتصر استعمالها للأضرحة، واستعين في أول الأمر لهذا بعمل «عقود» زاوية لتيسر الانتقال من المربع إلى المثمن، وظهرت في العالم الإسلامي أنواع مختلفة من القباب، ولعل أجملها الموجود الآن في مصر وسوريا، ويرجع أقدمها إلى العصر الفاطمي، وقد ارتبطت القباب بشكل كبير بالمئذنة بحيث أصبحتا مرتبطتين ببعضهما، ليكتمل بذلك الشكل الجمالي للمساجد الإسلامية - الموجودة في بلادنا العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق