الأحد، 10 أغسطس 2014

توثيق لشواهد القبور الاسلامية


في كتاب يوثق لشواهد القبور من القرن 19
قممها للرجال طرابيش وعمائم وللنساء ضفائر و تيجان زهور وجواهر
محمد الحمامصي: تعد شواهد القبور من أصعب فروع الفن الإسلامي، لما تشتمل عليه تلك الشواهد من نقوش كتابية وعناصر زخرفية تختلف في أساليب حفرها، وفي أنواع الخطوط المستعملة في النقش عليها، كما تكمن صعوبة دراسة هذه المجال في اختلاف مضمون النقوش الواردة على مجموعة الشواهد المراد دراستها والتي تتنوع ما بين عبارات دينية وأدعية مأثورة وأبيات شعرية وألقاب وظائف لابد من استخلاصها للوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو توثيق مجموعة الشواهد توثيقًا علميًا يصل بنا في النهاية إلى دراسة حضارة مجتمع عاش في فترة تاريخية ما.. يكلل هذا الكتاب (شواهد قبور من الإسكندرية) الذي يجئ في سبعة فصول مجهودات الفريق البحثي بمركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية برئاسة د. خالد عزب القائم بأعمال مدير المركز بالاشتراك مع قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى للآثار، والتي تم من خلالها توثيق مجموعة شواهد قبور المحفوظة بمتحف الفنون الجميلة بمحرم بك بالإسكندرية، والتي تم نقلها منذ عام 1940م من المقابر القديمة المحاطة بميدان المساجد جهة مسجد أبي العباس المرسي إلى متحف الفنون الجميلة عند توسيع وإعادة تخطيط ميدان المساجد.
يقدم للكتاب د. إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، و زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. ويشير الكتالوج إلي المحاولات العديدة السابقة لإعدادفهرس لهذه المجموعة من قبل متحف الفن الإسلامي بالقاهرة حيث كلف دكتور زكي حسن مدير عام المتحف سابقًا الأستاذ سليمان أحمد سليمان مفتش أعمال الحفر والأمين المساعد بالمتحف للقيام بهذه المهمة لكنها لم تتم. كما قامت عدة محاولات لإعداد كتالوج لهذه المجموعة يقوم بإعداده عالم وخبير الآثار ورئيس المفوضية السويسرية في ذلك الوقت دكتور ايتين كومب إلا أن هذا المشروع لم يتم أيضًا.
أنواع الخطوط المستعملة في النقش على مجموعة الشواهد كانت موضوع الفصل الرابع، منها الخط في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، وقد نفذت النقوش الكتابية على مجموعة شواهد القبور موضوع الدراسة بنوعين من الخطوط، أولا: خط الثلث: وهو يعد أصل لكل ما جاء من أنماط الخطوط، ومنه تفرعت كل أنواعها، غير أن حجمه الكبير لم يجعله مناسبًا لكتابة النصوص والمؤلفات، ولذا اقتصر استخدامه على كتابة عناوين الكتب، والعبارات الدعائية، كالبسملة التي يبدأ بها كل عمل، كاللوحات القرآنية وشواهد القبور، وبعض الكتابات الأخرى المماثلة، أما الخط ذو المميزات الكثيرة، والذي شاع استخدامه في العمائر الدينية، فهو الخط الجلي.. ويقل استعمال الخط الثلث في كتابة المصاحف الآن ويقتصر على العناوين وبعض الآيات و الجمل لصعوبة كتابته ولأنه يأخذ وقتا طويلاً في الكتابة، ولأنه إذا لم يكتب على القاعدة لا يكون جميلاً.
اما النوع الثاني من الخطوط التي نفذت بها النقوش الكتابية، هو خط النستعليق،وقلم النستعليق عروس الخطوط الإسلامية، وهو من اختراع الإيرانيون، ويبرز ذوقهم وطبعهم ويرى أصحاب المعرفة أن النستعليق من أظهر الفنون الجميلة وأدقها في إيران، وإن صفحة بخط النستعليق تعتبر أجمل خطوط البشر، لتتابع أشكاله، وصوره الجذابة وخطوطه العمودية كالألف واللام والكاف، مما يسهل من عملية قراءته، ولهذا زين الخط الفارسي أكبر المكتبات والمتاحف في العالم.
كذلك استخدمت إلى جانب اللغة العربية في كتابة نصوص الشواهد اللغة التركية، وهي لغة الدولة العثمانية ولغة الجمهورية التركية، وكانت المثل الثقافية في إطار الدولة العثمانية تجعل اللغتين العربية والفارسية أهم أدوات الثقافة الرفيعة، وأدى هذا الاهتمام بالعربية والفارسية إلى دخول عدد كبير من الألفاظ العربية والفارسية إلى التركية ويتضح هذا التأثير بصفة خاصة في المجالين الثقافي والعلمي، وفوق هذا فقد كانت العربية لغة الدين واللغة الفارسية لغة الثقافة بالنسبة للأتراك العثمانيين فقد أخذوا من هذه اللغة المصطلحات الفنية خاصة في النثر والشعر ويظهر ذلك جليًا في النصوص المكتوبة على شواهد القبور التركية فكلما كان الكاتب مثقفًا أكثر من استخدام الكلمات الفارسية في النص وكانوا يتباهون بذلك فمعظم هذه النصوص تحتوي على كلمات أكثر من التركية وظهرت الكلمات التركية في أضيق الحدود لكن الأساس في الترابط اللغوي للنص هو الروابط واللواحق التركية والأفعال التي تختم الجملة وحاول الكاتب استخدام الإضافات الفارسية في أضيق الحدود لدى الحاجة لذلك.
ويوجد جانب آخر هام في هذه النصوص وهو استخدام الكاتب التركي لكلمات عربية مختلفة الدلالة اللغوية لها الآن عنها فيما مضى، بل وكلمات لم تعد دارجة الاستخدام في اللغة العربية وذلك زيادة في بيانثقافة الكاتب وإلمامه بالثقافتين العربية والفارسية، ليبدع نصًا يحتوي على الثلاث ثقافات أساسها التركية وفروعها العربية والفارسية.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
ويتعمق الفصل الخامس والذي جاء تحت عنوان"مضمون الكتابات الواردة على مجموعة الشواهد" فيما نقش علي الشواهد، وهنا يشير الكتالوج أن كتابات شواهد وتراكيب القبور في العصر العثماني على جانب كبير من الأهمية بما تتضمنه من معلومات تفيد في دراسة التاريخ والآثار على السواء، وقد تنوعت تلك الكتابات الأثرية الواردة على التراكيب والشواهد العثمانية والتي جاءت على هيئة صيغ مختلفة، قوامها آيات قرآنية، وأدعية مختلفة، البعض منها مقتبس من الآيات القرآنية الكريمة، والبعض الأخر لأدعية مأثورة، وهي في مجملها تتعلق بالتضرع إلى الله، وطلب مغفرته ورحمته سبحانه وتعالى، ويقسمها الكتالوج إلي الصيغ القرآنية، كالبسملة، والآيات القرآنية، وثانيا: الصيغ الدعائية، ومنها صيغ دعائية غير قرآنية، وهي تلك التي تتضمن دعاء للمتوفي ليست مستوحاة من آيات قرآنية، كما وردت صيغ الإقرار بالألوهية على مجموعة شواهد القبور موضوع الدراسة بعدة صيغ، مثل "الله لا إله إلا هو"، كما احتوى الشاهدان رقما 22، 118 على صيغة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ووردت في الشاهد رقم 100 صيغة: "لا إله إلا الله".
كما وردت عبارات كثيرة في طلب الرحمة والمغفرة سواء على النقوش التي وردت باللغة العربية أو التي وردت باللغة التركية.كما وردت أيضًا عبارات لطلب الرحمة والمغفرة على بعض الشواهد التي جاءت نقوشها باللغة التركية ومنها: عبارة " بنى قيل مغفرت اى تا يزدان" وتعنى بالعربية " أغفر لي يا الله جل جلالك" وقد وردت هذه العبارة على الشاهدين رقما: 29، 43، كما وردت عبارة أخرى تحمل نفس المعنى على الشاهد رقم 37 ونصها " دعاى خير ايله مركز اوقونسون روحمه رحمت" ومعناها بالعربية " وأدعو لي بالخير واقرأوا لروحي الرحمة"، وهناك صيغة أخرى وقد وردت على الشاهد رقم 190 ونصها "مرقد يدر عليها الرحمة والغفران" ومعناها "عليها الرحمة والغفران".
ومن الصيغ الدعائية المتنوعة، طلب قراءة سورة الفاتحة، كما وردت أيضًا بالنقوش التركية لمجموعة الشواهد موضوع الدراسة صيغ أخرى لطلب قراءة الفاتحة على روح المتوفي ومنها: عبارة "رو حيجون فاتحة" ومعناها بالعربية " الفاتحة من أجل روحه" وكذلك عبارة "روحنه فاتحة" ووردت عبارة "لروحمه بر فاتحة احسان" وتعني "لروحي الفاتحة" أما الشاهد رقم 190 فقد انفرد بعبارة " آمين يا مستعان لله الفاتحة".
وجدت علي هذه الشواهد أيضا عبارات تعزية، بصيغ مختلفة منها "هو الباقي" ضمن نقوش معظم الشواهد متمثلة بالسطر الأول من النقش الكتابي للشاهد، كما وردت عبارة " هو الله الباقي" و "الله حي لا يموت" وتحمل نفس المعنى أيضًا.
وردت أيضا علي النقوش والشواهد أبيات شعرية، حيث تضمنت كثيرًا من الشواهد العثمانية على كتابات جاءت في شكل منظومات شعرية يشير مضمونها إلى رثاء المتوفي مثل شطر البيت القائل "حزنًا ومرضًا على المصيبة التي نزلت به"، كذلك وردت بعض الأبيات شعرية التي تبين أن الدنيا فانية وتحث على ضرورة الاستعداد لحساب الآخرة.
كذلك وصفت بعض الأبيات الشعرية لبعض الشواهد طريقة وفاة صاحب الشاهد والتي تصف أبياتها سبب وفاة صاحب الشاهد وهو إصابته بمرض الطاعون مثلاً، ويتضح ذلك في نقش الشاهد رقم 22 وذلك في السطر الثاني ونصه "حيفاكم مولود ايجره كلوب طاعون وبا" ومعناه بالعربية "واآسفاه كم مولود تمكن داخله وباء الطاعون" والسطر لسابع من نفس النقش ونصه "….طاعون شهيد أى" ويعني "…هو نفسه شهيد الطاعون"، ونقش الشاهد رقم 53 ونصه "اتش طاعون ايله ياندى بلال بك كمال" ومعناه "احترق بنار الطاعون بلال بك كمال"، وكذلك نقش الشاهد رقم 55 ونصه "تمام ايتدى انك عمرينى طاعون" ومعناه بالعربية "وقضى الطاعون على عمره مثل كأس الماء من الشراب".
وقد نفذت جميع هذه الأبيات الشعرية على هيئة أسطر بوضع أفقي وبوضع مائل، كذلك تضمنت أيضًا كثير من الألقاب والوظائف التي تشير إلى المكانة الاجتماعية لصاحب الشاهد.

وجاء الفصل السادس ليشير إلي أشكال قمم الشواهد، فقد نفذت أشكال قممها بأغطية رؤوس للتمييز بين قبور الرجال والنساء من ناحية وللتمييز أيضاً بين وظائف الأشخاص المتوفين وطبقاتهم الاجتماعية، فنجد الشكل المميز لحالة غطاء الرأس من عمائم أو طرابيش للرجال وضفائر الشعر أو تاج من الزهور أو الجواهر للنساء وهي ظاهرة تعطي المقابر حقيقتها الجنائزية ولها تأثير على مشاعر الزائرين وقد تنوعت أشكال القمم ومنها:العمامة: وهي القاووق التركي، وقد تنوعت أشكال العمائم ما بين ملساء خالية وما هي ذات جدائل هندسية تبين لفائف الغطاء الشاشي، وأحيانًا كانت العمامة تزين بزخرفة نباتية. والطربوش وهو غطاء للرأس استخدم للطبقة العليا من رجال الدولة العثمانية ولو أنه لم يحظ بنفس المكانة التي كانت للعمامة.
وتعتبر القلنسوة شكل لقمم الشواهد الخاصة بالنساء، وتعددت أشكالها فمنها المستدير على هيئة قوس، ومنها ما هو على هيئة العقد الثلاثي النتوءات، ومنها أيضاً ما هو على شكل أسطواني مفلطح ذي حواف مدببة. هذا بالإضافة إلى قمم الشواهد التي اتخذت أشكالاً نباتية مجدولة وملتفة، ويتضح فيها أشكال متنوعة للزخارف النباتية من وريدات وزهور متعددة الفصوص وأشكال المراوح وأنصاف المراوح النخيلية والأوراق والأفرع النباتية المحورة عن الطبيعة.
ومن أروع قمم الشواهد التي اتخذت أشكالاً نباتية بالمجموعة موضوع الدراسة قمة الشاهد رقم 190 والتي جاءت على شكل حزمة من الأفرع التي تحمل عددًا هائلاً من الزهور النباتية المتدلاة من الجانبين.

ويشير الفصل السابع الي أنواع الزخارف على الشواهد، ومنها الزخارف النباتية، ومنها: النخيل، و الوريدات النباتية،
والأوراق المضفرة، وأكاليل الزهور، وزخرفة المزهريات، والزخارف الهندسية والتي تضم الزخارف الإشعاعية و الإطارات المستطيلة.
وقد ضم الفصل الثامن مجموعة الألقاب والوظائف التي وردت بمجموعة الشواهد، من بينها لقب أغا، وهو لقب كان يطلق على شيوخ الأكراد أو كبارهم وكان ينقش على نقودهم، وكلمة أغا معناها في لغة الأتراك الغربيين رئيس أو سيد، أما كلمة أغا التى قد تكتب أقا وتجمع على أغايان أو آقايان فتطلق على أية أميرة من أميرات البيت المالك، وكلمة أغا أصلها آقا وهى من كلمات اللغة المغولية، ومعناها الأخ الأكبر، وتردد كثيرًا في تاريخ المغول وفي النحو المغولي وفي ترجمة الأناجيل وقد دخلت هذه الكلمة في اللغة الفارسية واستخدمها الكتاب الذين جاءوا بعد غزو جنكيز خان، وجمعها آقاان أو آقاوان أو آقايان ولما كان للأخ الأكبر عند المغول سلطان على أخوته صارت كلمة آقا تدل على رئيس الأسرة.
ومن بين الألقاب أيضا لقب افندي، ولقب باشا، ولقب " بك "، ولقب حاج، وحضرة و السيد، سر عسكر، الشيخ والعبد، الفقير، ملا و ميرالاي. أما ألقاب المرأة فتنوعت ما بين لقب خانم، والست.
ويخصص الكتالوج فصلا لشواهد نفذت نقوشها باللغة العربية مزدوجة باللغة التركية، وآخر لشواهد نفذت نقوشها باللغة التركية، ويختتم الكتالوج بجداول تحليل حروف لمجموعة شواهد القرن 12، 13 هـ لخط الثلث والنستعليق، ويذيل الكتالوج بمجموعة من الحواشي و المراجع.
منقول
اسم الكتاب: شواهد قبور من الإسكندرية
إعداد: د.خالد عزب و شيماء السايح
الناشر: مكتبة الإسكندرية 2007.
عدد الصفحات: 277 صفحة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق