فلسفة العمارة الاسلامية
عندما نشاهد الأحياء القديمة ونري مبانيها القديمة نشعر دائما بتلك البساطة الرائعة ونلتمس التكوينات الفنية و القواعد الجمالية التي تتمثل فيها, كالوحدة و الانسجام وحتى الاختلاف (التضاد) أوالانعكاس، مما يجعل تلك البيئة العمرانية غنية و مشوقة و متجددة دائماً , ففي كل مرة تراها تجدها في حلة جديدة و تشعر بشعور مختلف و تلتمس رؤية أخرى.
لطالما سألت نفسي..سؤالا يراودها كثيرا
هل كان المجتمع آنذاك يشعر بالجمالية المتمثلة في أبنيته و بيئته؟
هل كانت هناك قواعد جمالية أو هل كانت تلك (العفويات الجمالية) مقصودة و مدركه من قبل المجتمع و المعمار نفسه؟ حقا؟؟
يقول الكاتب المعماري الأمريكي (البرت بوش- بروان) في كتابه (فن العمارة الأمريكية) "أن الفن المحلي هو عبارة عن مسلمات جمالية ارتضاها المجتمع لنفسه, فأوجد مفردات خاصة به تنبع من متطلباته و تعبر عن احتياجاته ضمن قدراته المالية".
أو يمكننا القول بعبارة أخرى إن المجتمع كان يعي مفهوماً جمالياً نابع منه و يتناسب معه, مع إتاحة الفرصة للتجديد و الإبداع بما يتوافق مع الهيئة العامة و يتواصل معها, ذكر المعماري ( رفعت الجادرجي ) نقطة أخرى, لخصها في ( العلاقة ) بين المالك و المعمار, أو تلك المعرفة بين العائلتين, مما يجعل المعمار واقفاً على جميع شؤون المالك من متطلبات و من رؤى فنية ومن حالة اقتاديه, والأهم هو تلك الحميمة بين المعمار و المالك.
محور ثالث أعتقد أنه أثر على مفهوم الجمال في العمارة الإسلامية ألا وهو, أن المعمار نفسه هو فرد من المجتمع منغمس فيه و متشبع بمعتقداته و فكره, لذا فإن رؤيته الفنية أو الجمالية كانت تمر عبر ذلك المنظور الذي تكون لديه.
إن فلسفة الجمال في العمارة الإسلامية تعتمد على الانتفاعية (الوظيفية ) النابعة من الشريعة الإسلامية أو في إطارها العام,حيث نشعر معها بالجو الروحي المنسجم مع روح الشريعة لاسلامة فعندما نحلل المفردات المعمارية الجمالية أو الفراغات في العمارة الإسلامية, نجدها تحمل محاور عدة في أسباب نشأتها و تشكلها و حتى تطويرها.
فالمشربية مثلاً هي عبارة عن معالجات مناخية لحماية الواجهات و الفراغ الداخلي من العوامل المناخية غير المرغوب بها , وأيضا لها هدف أخر ألا وهو توفير الخصوصية للنساء و حماتيهن من أعين الغرباء, ورغم هذين السببين إلا أن المعمار لم يقف على تلك الوظيفتين لهذا المفرد بل حاول أن يخرجهما بطريقة فنية أو جمالية حسب رؤيته الفنية .
أيضا الفناء الداخلي الذي كان أحد المعالجات المناخية , ولكنه أيضا عبارة عن اتصال الساكن مع الطبيعة ( الفراغ الخارجي ) دونما أن تجرح خصوصيته أو يجرح خصوصية الآخرين , ومع ذلك فلقد رأى المعمار المسلم الفناء بمنظوره الجمالي فأوجد النوافير التي أضفت على الفناء لمسة جمالية - بهندستها الراقية مع منفعتها كعامل ترطيب للهواء الحار.
هناك نوع أخر من الجمال ( العفوي ) في العمارة الإسلامية الذي ينبع من جمال و روعة الشريعة الإسلامية نفسها كالارتفاعات, فقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا ضرر و لا ضرار ) قد جعل من البيئة العمرانية الإسلامية بيئة متناسقة في الارتفاعات و متمازجة بحميمة رائعة لدرجة أنك ترى الواجهات للمنازل المختلفة كواجهة واحدة تحمل في ظاهرها الكثير من القواعد الفنية و الجمالية. و هنا ترابط عضوي نابع من روح التعاون و التواد والتراحم في الاسلام
فالجمال في العمارة الإسلامية هو عبارة عن تحقيق وظائف و متطلبات اجتماعية ضمن الإطار التشريعي( الديني ), أو يمكن القول بأن الجمال في العمارة الإسلامية ذو هدف, وهذا ما يجعل الفن المعماري الإسلامي, فن يجمع الكثير من المتعة و الراحة و الاكتشافات.
لقد ذكر المعماري ( سوليفان ) ( معماري أمريكي ) مقولة مشهور "الشكل يتبع الوظيفة" كقاعدة للعمارة الحديثة, وإن كنت أعتقد أن العمارة الإسلامية قد سبقت ( سوليفان ) في هذا التعريف منذ زمن, لكن دون أن تتجرد من روحها المحلية وهوية مجتمعها, وهذا ما يجعلها مميزة ولها فلسفتها الخاصة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق